عند قاعدة العمود الفقري، ترقد كرة ملتفة على ذاتها هي طاقة كونية، تسميها التعاليم الشرقية كونداليني. تظل هذه الطاقة الكونية، لدى غالبية الناس، غافلة وكامنة، مثل كتلة كهرباء سكونية، تصون ذاتها وتخفي، في ذاتها، قدرتها العظيمة. ووفق ما تحدثنا التعاليم الشرقية، تعتبر كوندالینی نارا تصعد لولبيا انطلاقا من الكرة الموجودة في قاعدة العمود الفقري. وهكذا، يعد هذا الصعود اللولبي الرحلة التي تستهلها الطاقة باتجاه الأعلى لتصل إلى الرأس، وتحدث الهدوء والراحة.
في داخل الرأس، توجد الغدة الصنوبرية والغدة النخامية اللتان تمثلان الغاية التي تتوخاها الرحلة التي تقوم بها كونداليني. وبين كونداليني، الكائنة عند قاعة العمود الفقري، وهاتين الغدتين، يوجد مسلكان آخران للطاقة أو قناتان أثيريتان:
الأولى - قناة أثيرية، أو طريق لقدرة مركزة تقع إلى يسار النخاع الشوكي الأثيري. وتكون قطبيتها أنثوية أو سالبة. وفي رحلتها باتجاه الأعلى، تحمل هذه القناة الطاقة إلى الغدة النخامية، وتتصل بالمنخر الأيسر. وتجذب هذه القناة المعدَّة لحمل الطاقة الأنثوية قوى الأثير السالبة من الأرض باتجاه الأعلى.
الثانية - قناة أثيرية، أو طريق لقدرة قطبية موجية مركزة تقع إلى يمين النخاع الشوکی. تنطلق هذه الطاقة من قاعدة العمود الفقري لتصل إلى الغدة الصنوبرية وإلى الغدة النخامية الواقعتين في الرأس. وتكون هذه القناة على صلة بالمنخر الأيمن. وتعد هذه القناة الأثيرية المظهر الذكري أو الموجب للطاقة. وتنقل هذه القناة قدرة الأثير الموجبة المنبثقة من الشمس.
لما كانت القوة السالبة والموجبة للأثير متوازيتين فإنهما تعملان بانسجام وتناغم. وتتقاطع هاتان القناتان للطاقة الموجبة والسالبة عند نقاط التقاء عديدة على طول العمود الفقري. وعند نقاط تقاطعهما، تتشكل مراكز الطاقة العديدة.
وظيفة الكونداليني
تتمثل وظيفة كونداليني، التي تقبع ساكنة في قاعدة العمود الفقري، في الصعود على طول النخاع الشوكي الأثيري. وبصعودها هذا، تهب القدرة أو الحياة إلى المراكز المتعددة التي تتركز في مسلكها حتى تنتهي من رحلتها في الدماغ عند مستوى الغدتين الصنوبرية والنخامية، حاملة النور والحكمة إلى الإنسان. لكن هذه القدرة لا تستيقظ بذاتها على نحو طبيعي، وذلك لأن المراكز العديدة مغلفة بأجهزة مغلقة تتفتح شيئا فشيئا بعد القيام بتمارين عديدة.
تأثيرات الكونداليني
لقد درس العديد من الباحثين الروحانيين المعاصرين وعلماء النفس المختصين في أبحاث الوعي والشخصية ظاهرة استيقاظ "الكونداليني"، مع التركيز على نحو رئيسي على الآثار السلبية التي تحدث عندما ترتفع طاقة "الكونداليني" فجأة وعلى نحو كبير. وفقا للباحث "بروس غريسون"، على سبيل المثال، يمكن أن يسبب هذا اضطرابات كبيرة في الأداء النفسي الذي يشبه الاضطرابات النفسية وغالبا ما يؤدي إلى التشخيص الخاطئ بالمرض الذهني. يلاحظ باحثون آخرون أنه يمكن أيضا أن يسبب مشاكل جسدية، بما في ذلك النوبات والتشنجات العصبية اللاإرادية، الشعور بالالتهابات أو الحكة، والخمول. قد يسمع الناس أصوات، ویرون ومضات من الضوء، ويمرون بتجارب نفسية.
من المثير للاهتمام، أن التعاليم الهندية التقليدية تكرس القليل جدا من الاهتمام بهذه المشاكل. في معظم الحالات، ويشيرون إلى التسرب المحتمل للطاقة، ويصفونه بأنه "حلقة من البرق، مغلفة بالنار الملتهبة" أو "الطاقة النارية" التي تطلق "شررًا مُبهِرًا". ويصف Vijnanabhairavatantra وهو نص من تعاليم التانترا، كيف يمكن أن يتسبب الاكتئاب والتعب في تراجع طاقة "الكونداليني" عبر الشاكرات بدلا من اندفاعها للأعلى. يذكر هذا النص أيضا أنه إذا لم يتفوق ممارسو اليوغا في إحساسهم الكامل بالاندماج مع الجسم، فإنهم قد يواجهون حالات ارتعاش لا يمكن السيطرة عليها
من المفترض أن السبب وراء عدم اكتشاف هذه النصوص لصعوبات استيقاظ "الكونداليني" هو أن عملية الاستيقاظ وقعت في سياق التعاليم الرهبانية والروحية، تحت إشراف معلمين، مع قدر كبير من الفهم والإعداد. في ظل هذه الظروف، ربما يكون حدوث مثل هذه الصعوبات أقل احتمالا. هذا يسلط الضوء على النقطة التي أشرت إليها مسبقة "وهي الموضوع الذي سنقوم بالبحث فيه باستفاضة في الفصل العاشر": فالاستيقاظ أكثر عرضة للزوال عندما لا يكون الشخص مستعدا له، وعندما لا يكون لديه تصور هادف له، وأيضا عندما يحدث في بيئة غير داعمة
تستيقظ كونداليني بعد ممارسات طويلة ومتأنية وتصعد عندئذ في القناة المركزية الدقيقة سوشومنا المتوضعة ضمن النخاع الشوكي. وما أن تسري كونداليني في سوشومنا وتلامس المراكز حتى تتفتح هذه المراكز الازهار المكتملة التفتح وتبدأ المراكز بالدوران مع شعور بالحرارة والنمل في جسد المتأمل، وهذا ما دعا إلى تسمية هذه المراكز بالتشاكرا.
ونشدد هنا على أن مرور كونداليني في سوشومنا ودوران مراكز الطاقة لا يتم إلا بعد تحرير القناة والمراكز من العقد التي تسدها وهذا يتطلب كما أشرنا ممارسة طويلة ومتأنية تحت إشراف المعلم، والانسان الذي تعمد إیقاظ كونداليني قد يشبه العبث مع أفعى راقدة مما يشكل خطرا كبيرا. كما أن الاضطرابات الخطيرة التي يمكن أن تظهر لدى المتأمل خلال تفتح المراكز تعود لتفعيل بقايا الحيوات السابقة حيث يكون انبعاثها عامل خطورة واضطراب، خاصة إذا كان الانسان غير مهيأ لها ولا يملك الوسائل التي تمكنه من دمجها في تجربة حياته المعاشة.
ونظرًا لأن ارتفاع الطاقة، وفقًا للتعاليم الكلاسيكية، ينطوي أيضًا على مخاطر، يجب أن يكون الإعداد الجيد وعملية التنظيف الداخلي حاسمة، وهذا هو السبب في أن العديد من المدارس تطور وتؤهل مركز القلب (شاكرا القلب) أولاً
أعراض جانبية
كأثر جانبي لكونداليني الصاعد، يتم وصف الآثار الجسدية التي من المفترض أن تكون ناجمة عن التدفق العنيف للطاقة. وهي تشمل نوبات سخونة. الشعور بالدفء، التشنجات (اهتزاز لا إرادي، ارتعاش، إيماء مفاجئ للرأس)، ألم مزمن ومؤقت في جميع أنحاء الجسم يصعب تشخيصه، لاذع (مثل لدغة) في إصبع القدم الكبير وفي جميع أنحاء الجسم، خدر من اليدين والقدمين إلى الجسم كله، والتقلبات في الدافع الجنسي، ونوبات العاطفة (الضحك والبكاء)، ونشوة الغبطة، والصور والرؤى الداخلية
الكونداليني والفيزياء
کونداليني يوغا
تشير الكتب الشرقية إلى وجود قدرات كامنة في الانسان وتشدد على أهمية التحقيق الروحي لهذه القدرات على اعتبار أن كل ما في الانسان مقدس ويجب أن يخضع لفعل الروحنة. وقد اختطت كل مدرسة لنفسها طريقة عملية بهيئ المُتأمل للوصول للحالات العليا للوعي، ونجد أن عددا من هذه المدارس يلتقي على ذكر طاقة كامنة بالقرب من قاعدة النخاع الشوكي تدعى كونداليني، وهي كلمة تعني الملتف على شكل لولبي وهو ما يرمز للحالة الجنينية غير المتفتحة
إنَّ المبدأ الاساسي لليوغا التانترية هو إيقاظ كونداليني التي ترمز لشاكتي الطاقة المؤنثة الملتفة على نفسها ثلاث مرات ونصف والقابعةکالأفعى عند قاعدة النخاع الشوكي. ويسعى اليوغاني في المدرسة التانترية لإيقاظ كونداليني حتى تصعد وتتحد فوق قمة الراس مع شيفا. إنَّ اتحاد شاكتي وشيفا أي اتحاد الارضي والعلوي أو الانثوي والذكري يعني فناء التجلي المادي للطاقة، وإلغاء الثنائية واستعادة الانسان لوحدته. ويطلق على هذه الممارسة اسم کونداليني يوغا أو لایا يوغا حيث كلمة لايا تعني التحلل أو الفناء
إنَّ إیضاح فكرة الطاقة الكامنة يتطلب الاستعانة بالفيزياء التي تعلمنا وجود شكلين من الطاقة يرتبطان بجسم مادي: الطاقة الكامنة والطاقة الحركية. والطاقة الحركية ليست الا جُزءً من الطاقة الكلية يتعلق بحركة أو فعل المادة، أما العلاقة الكامنة فنأخذ مثالا عليها طاقة الذرة التي تفيض عندما يحدث الانشطار. وبحسب التانترا تعتبر كونداليني شكلا من الطاقة الكونية الموجودة في كل شيء، حتى في جزيء صغير من المادة. ويشارك جزء من الطاقة الكونية في الطاقة الفاعلة على شكل طاقة حركية بينما تبقى كمية كبيرة من الطاقة على شكل طاقة كامنة ملتفة على نفسها وغير مستثرة في الجذر القاعدي الاساسي.
کونداليني الملتفة على نفسها هي المحور المركزي الذي تدور وتتحرك عليه كلية التركيبة المعقدة للجسد والوعي. وإنَّ نسبة الطاقة الفاعلة إلى الطاقة الكلية تحدد وضع وتصرف الجهاز الجسدي والنفسي وأي تبدل في الفعالية يتطلب تبدلا في هذه النسبة حتى يتسامى كل عنصر في العنصر الأدق. وهكذا، فإنَّ الغاية من الممارسة الروحية هي تصعید کونداليني من المراكز السفلى إلى المراكز العليا على طول العمود الفقري حتى تصل إلى المركز السادس فتخرج من الجسد وتتحد مع المبدأ المذكر شيفا.
في الهاثا يوغا
القوة الثعبانية force serpentine
الغاية القصوى من عملية هاثا يوغا Hata Yoga هي ایقاظ القوة الحيوية الغافية الوسنانة عند الانسان في قاعدة عموده الفقري في شكل حية مكورة ملفوفة حول نفسها تسمى بكوندالینی Kundalini فاذا ما أوقظت هذه الحية فانها تجبر على الصعود في مسرب ضيق من النخاع الشوکی مارة بشتى المراحل إلى أن تصل إلى قمة الدماغ فتتحد رمزيا - في زعمهم- مع سيفا Siva أحد الآلهة في الأساطير الهندية وهو زوجها وتعود الحية الأنثى بعد ذلك إلى مقرها الأول وإذا ما أصبح هذا الازدواج مستديما قارا فان المريد Yogui ( اليوغي ) يتحرر ويختطف عن حسه في ذهول نهائي extase finale
وتمر الحية بست مراحل أو مراکز Chakras توجد:
أولاها في قاعدة نخاع الظهر، وثانيتها فوق الأعضاء التناسلية، وثالثتها قرب السرة، ورابعتها على مقربة من القلب، وخامستها قرب الجيد أي مقدم العنق، وسادستها بين الحاجبين،
أما السابعة فانها تقع في أعلى الدماغ ضمن طبقة خاصة.
وكل مركز يتحلى بسعف أو زهرة سدر lotus أو نیلوفر أبيض له عدة تويجات petales ( أوراق الزهرة ) وعددها ست عشرة في الأسفل وألف في قمة الدماغ ولكل مركز حيوانه الرمزي بحيث يستقر الإله سيفا في اسمي المراكز بين الحاجبين - ويحق أن نتساءل هنا عن الغاية التي ينتجها المريدون الهنود بأعمالهم هذه والتي يمكن أن نلخصها في ثلاثة عناصر
- علاج خلل الروح والجسم وإیجاد حالة من السعادة الكاملة ماديا ومعنويا (ويتصل هذا العنصر بالطب عند الهنود).
- الحصول على نوة خارقة للعادة تسمى Siddhis وهي الكرامات وذلك بواسطة مراقبة الطاقات الخفية في الجسم.
- الوصول إلى الاتحاد الصوفي Union mystique أي الانصهار في ذات الحق بالحلول أو الاتحاد معها (يقارن هذا بما عرف في التصوف الإسلامي).
ويتحدث الأدب المعاصر عن ثمانية أنواع من هذه الكرامات الهندية
- تقليص الذات إلى حجم الذرة anima
- تضخم الذات في الفضاء machima
- الخفة والارتفاع عن سطح الأرض laghima
- القدرة على الوصول إلى كل النقط الممكنة حتى إلى القمر
- سيطرة الإرادة prakamya
- القدرة على الخلق والابداع sithava
- المراقبة الذاتية والمناعة إزاء التأثيرا الخارجية vashitva
- استئصال جميع الشهوات والحاجات الجسمانية ويضيفون إلى ذلك القدرة على الاختفاء
علم النفس
وفقًا لكارل يونغ"... لمفهوم كونداليني استخدام واحد فقط، وهو وصف تجاربنا الخاصة مع اللاوعي ..." استخدم يونغ نظام كونداليني بشكل رمزي كوسيلة لفهم الديناميكية الحركية بين العمليات الواعية واللاواعية.
وفقًا لشمدساني، ادعى يونغ أن رمزية اليوغا الكونداليني تشير إلى أن الأعراض الغريبة التي قدمها المرضى في بعض الأحيان، نتجت بالفعل عن إيقاظ الكونداليني.
ارتبط تعميم الممارسات الروحية الشرقية بالمشاكل النفسية في الغرب. يشير أدب الطب النفسي إلى أنه "منذ انتشار الممارسات الروحية الشرقية وتزايد شعبية التأمل ابتداء من الستينيات، عانى الكثير من الناس من مجموعة متنوعة من الصعوبات النفسية، إما بسبب الانخراط في ممارسة روحية مكثفة أو من تلقاء أنفسهم". من بين الصعوبات النفسية المرتبطة بالممارسة الروحية المكثفة نجد "يقظة كونداليني"، "عملية تحويل جسدية نفسية روحية معقدة موصوفة في التقليد اليوغي". وصف الباحثون في مجالات علم النفس عبر الشخصية، ودراسات قرب الموت نمطًا معقدًا من الأعراض الحسية والحركية والعقلية والعاطفية المرتبطة بمفهوم كونداليني، والتي تسمى أحيانًا متلازمة كونداليني.
تسعى بعض الأبحاث التجريبية الحديثة إلى إقامة روابط بين ممارسة كونداليني وأفكار فيلهلم رايش وأتباعه